بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد : نزار بركة وزير التجهيز والماء الأمين العام لحزب الاستقلال
السيدات والسادة الوزراء المحترمين
السيد المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير
السيدة كنزة أبو رومان مديرة الشباب بوزارة الشباب والثقافة والتواصل
السادة رؤساء جمعيات المجتمع المدني ورؤساء جمعيات الطفولة والشباب
السادة رؤساء الجمعيات الكشفية المنضوية تحت لواء الجامعة الوطنية للكشفية المغربية
السادة والسيدات أعضاء القيادة العامة في منظمة الكشاف المغربي
أسرة الفقيد الحضور الكريم محبي القائد محمد أفيلال
نجتمع اليوم بقلوب مكلومة وفقدٍ عظيم، نستحضر إسهامات واحد من رجالات المغرب وأحد القيادات التاريخية المشرقة للكشفية المغربية والعربية، الفقيد محمد أفيلال. كان الراحل رمزًا للعطاء، وعلماً من أعلام الحركة الكشفية، وقد ساهم بشكل كبير في بناء وتأصيل هذه الحركة التربوية في المغرب والوطن العربي، حتى أصبحت منارة تربوية تُنير الدرب للأجيال القادمة.
لقد كان الفقيد رحمه الله يتميز بحب كبير للوطن، وكان ممن تبنوا المبادئ الكشفية التي تقوم على الإخلاص، الوفاء، وروح التعاون. عمل بكل تفانٍ في سبيل ترسيخ قيم الأخلاق والمواطنة، ولم يكن هدفه إلا بناء جيل واعٍ وقادر على مواجهة تحديات المستقبل.
لقد وهب حياته وجهده ليضمن أن تظل الحركة الكشفية مضيئة بنورها في مختلف أنحاء العالم العربي، فكان صوتًا حاضرًا في المحافل الإقليمية والدولية من خلال تقلده لمسؤولية رئيس اللجنة الكشفية العربية، مدافعًا عن قيم التلاحم والتضامن بين الشباب العربي، ومؤمنًا بأن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأمثل لبناء المجتمعات.
أيها الأحبة،
إن رحيل القائد محمد أفيلال ليس فقط فقدًا لعائلته وأحبته ولا حتى لجمعيته منظمة الكشاف المغربي، بل هو فقدٌ لوطنٍ بأكمله. سيظل أثره باقياً في قلوب كل من عرفوه وعملوا معه، وستظل مبادئه وقيمه منارة نهتدي بها. نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل مثواه الجنة، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
بكل حب وتقدير، نتذكر اليوم القائد محمد أفيلال ليس فقط كقائد تربوي عظيم في الحركة الكشفية، بل كإنسان متواضع ومحبوب ترك أثراً بالغاً في كل من عرفه. لقد كان رجلاً يتميز بإنسانية صادقة، وتواضع كبير، فلم يكن يسعى للظهور أو الشهرة، بل كان يبذل كل ما في وسعه لخدمة الآخرين بصمتٍ وإخلاص.
الفقيد محمد أفيلال كان له دور بارز في تطوير وتنمية الحركة الكشفية المغربية، خاصة من خلال تقلده لمهمة الرئيس المنتدب للجامعة الوطنية للكشفية المغربية برآسة صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد. ساهم من خلال تقلده هذه المسؤولية في تعزيز النشاط الكشفي وتعميق القيم التي تقوم عليها الحركة الكشفية مثل المواطنة الملتزمة والمسؤولة، والانتماء لهذا الوطن الغالي.
إن من أبرز إسهامات الحاج محمد أفيلال في تطوير الحركة الكشفية المغربية:
- التنظيم والإدارة: أشرف على تحسين الهيكلة التنظيمية للجامعة الوطنية للكشفية المغربية، مما ساهم في زيادة فعاليتها وتوسيع نطاق نشاطاتها.
- التعريف بالتربية الكشفية: حيث عمل على نشر مفهوم الحركة الكشفية في مختلف أنحاء المغرب، مما أدى إلى انضمام عدد أكبر من الشباب للحركة الكشفية وتوسيع قاعدة المشاركين فيها كقائد عام لمنظمة الكشاف المغربي.
- التعاون مع المؤسسات الوطنية والدولية: حيث قام بتطوير شراكات مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة، وكذلك مع المنظمات الكشفية الدولية، مما أدى إلى تبادل الخبرات وتحسين مستوى الأنشطة الكشفية. ولعلي أكتفي هنا بدوره إلى جانب قيادات الجامعة الوطنية للكشفية المغربية سنة 1994 في استضافة المغرب لأول مناظرة كشفية عالمية ” الكشفية شباب بدون حدود ” برعاية سامية للمغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه واستقباله للأمين العام للمنظمة الكشفية العالمية آنذاك جاك موريون. مناظرة كشفية حظيت بحضور الأمير الجليل مولاي رشيد لفعاليات حفل افتتاح الرسمي. وقد صدر عن المناظرة ميثاق مراكش والذي لازال ساريا إلى اليوم في المنظمة الكشفية العالمية كوثيقة مرجعية في ترسيخ قيم السلم والعيش والفهم المشترك.
من خلال هذا العمل، نجح الحاج محمد أفيلال في ترسيخ دور الحركة الكشفية المغربية كرافد أساسي لتربية الشباب وتنميتهم المستدامة.
في تاريخ الحركة الكشفية المغربية، هناك مرحلة استثنائية تظل محفورة في الذاكرة: حقبة القيادة الثلاثية التي ضمت ثلاث شخصيات بارزة هم الفقيد عبد الكريم الفلوس العلمي، القائد التاريخي للكشفية الحسنية المغربية، والراحل محمود العلمي، مؤسس منظمة الكشافة الإسلامية المغربية (المنظمة المغربية للكشافة والمرشدات)، وكذلك محمد أفيلال العلمي، مؤسس منظمة الكشاف المغربي.
كان لهذه الشخصيات دور محوري في بناء صرح الكشفية المغربية وتعزيز مكانتها إقليمياً وعالمياً. لقد أبدعوا في خلق تناغم مثالي بين قياداتهم، مما أسهم بشكل كبير في تطوير الحركة الكشفية على مستوى الهيكلة والبرامج، ونجحوا في تحقيق مستوى غير مسبوق من التنسيق بين الجمعيات الكشفية المغربية المكونة للجامعة الوطنية للكشفية المغربية ودورها في دعم الشباب.
القيادة الثلاثية لم تكن مجرد قيادة تنظيمية، بل رمزًا للشغف والعمل الجاد من أجل ترسيخ القيم الكشفية في المجتمع المغربي. هؤلاء القادة تركوا بصمتهم العميقة من خلال جهودهم في تأسيس الاتحاد الكشفي للمغرب العربي، والمشاركة في صياغة ميثاق الجامعة الوطنية للكشفية المغربية. وما يميزهم هو التشابه الرائع بينهم؛ حيث حملوا جميعًا اسم “العلمي”، كما حازوا على أرفع الأوسمة الكشفية على الصعيدين العربي والعالمي: “القلادة الكشفية العربية” و”وسام الذئب البرونزي”، تكريمًا لإسهاماتهم الكبيرة في خدمة الحركة الكشفية العربية والعالمية.
ومن بين هذه الشخصيات، برز إسم الحاج محمد أفيلال كقائد استراتيجي أسهم بشكل تكاملي في هذه القيادة الثلاثية. بفضل رؤيته الحكيمة، نجح في رفع مستوى العمل الكشفي إلى درجات أعلى من التنسيق والفعالية، مما ترك أثرًا إيجابيًا واضحًا على استمرارية الفعل الكشفي واستدامته في المغرب.
تحت راية هذه القيادة التاريخية، ومع مساهمات أخرى من قيادات كشفية مرموقة لا يتّسع المجال لذكرها جميعًا هنا، شهدت الحركة الكشفية المغربية طفرة نوعية في تطورها. الهيكلة تعززت، البرامج اتسعت، والوعي بدور الكشفية في تمكين الشباب أخذ منحى جديدًا أكثر فعالية”
كان الفقيد الحاج محمد أفيلال محباً للعطاء بلا حدود، فقد كان دائمًا يمد يد العون لكل من يحتاج، سواء كان ذلك من خلال مسؤولياته في وزاة الشباب والرياضة وعمله في الحركة الكشفية أو في حياته اليومية. كان قريباً من الناس، يستمع إليهم بحب وصبر، ويعطي من وقته وجهده دون تردد، وبهذا غرس في قلوب كل من حوله مشاعر الاحترام والتقدير.
ورغم انشغالاته الكثيرة ومسؤولياته الجسيمة، ظل الحاج محمد أفيلال مخلصاً للأسرة الكشفية المغربية والعربية، حريصاً على بناء علاقات قائمة على الحب والوفاء. كان أباً محباً وزوجاً وفياً، وصديقاً لا يُقدر بثمن. كان من يعرفه يدرك أنه يمتلك قلباً واسعاً يتسع لكل من حوله، وكان يبعث الأمل والإيجابية في كل مكان يذهب إليه.
إن فقدان الحاج محمد أفيلال هو خسارة لرجل عاش حياته لخدمة الآخرين، وبنى علاقات قوامها المحبة والاحترام، وترك وراءه إرثاً إنسانياً لا يمحى. نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يجعل كل ما قدمه في ميزان حسناته.
إنا لله وإنا إليه راجعون.